روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | من مظاهر الشرك عند الأضرحة والقبور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > من مظاهر الشرك عند الأضرحة والقبور


  من مظاهر الشرك عند الأضرحة والقبور
     عدد مرات المشاهدة: 3005        عدد مرات الإرسال: 0

*أولاً) الحلف والإقسام بأصحاب القبور:

يقول الإمام الصنعاني رحمه الله:... ويقسمون بأسمائهم، بل إذا حلف من عليه حق بإسم الله تعالى لم يقبلوا منه، فإذا حلف بإسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه، ولن يصدق أحد الحالف إلا إذا حلف بواحد منهم، وكان هذا شيئاً طبيعياً كنا نراه في القرى ونحن صغار، ولا زال يجري للآن، وهذا الانحراف العقدي أثر من آثار الإلحاد في أسماء الله، العظيم، والرقيب، والشهيد، والعليم.

*ثانياً) لاذوا وإحتموا بها:

فكما جعل الله سبحانه البيت الحرام ملاذاً من دخله كان آمناً، جعل سدنة الأضرحة تلك الأضرحة الوثنية حرماً آمناً يهرع إليها المجرمون والفارون، ويلجأ إليها الخائفون، ليأمنوا في رحابها، ويستريحوا في ظلالها، وكثيراً ما عُفي عن اللائذين بالأضرحة من المجرمين إكراماً للمدفونين أو خشية ورهبة من إنتقامهم وبأسهم، وقد يدخل ذلك في الإلحاد في أسمائه تعالى، الكافي، والولي، والنصير، والعزيز.

*ثالثاً) توجهوا إليها بالطلب والدعاء:

وهذه بدأت بأن بث بعض المتصوفة فكرة أن الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين مستجاب، وإنتهت بأن أخذ العوام يطوفون بقبور الصالحين، يستعينون بهم، ويخاطبونهم، ويستنهضون هممهم بالصياح والصراخ، حتى أصبح الواقع أن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل: يا سيدي فلان، أغثني! ولا شك أن من الدعاء الإستغاثة والإستعانة.

ومن المفارقات أن تلك العبادة تتجلى واضحة عند القبوريين في المواطن التي كان المشركون يخلصون فيها الدعاء لله وحده، لأنهم يعلمون أن آلهتهم لا تجيبهم ولا تنفعهم في تلك المواطن، ويحكي محمد السنوسي أنه حين كان راكباً في البحر، وهاجت الرياح، وتلاطمت الأمواج حتى كادت السفينة أن تغرق، أخذ يستجير -كما يقول- بكل ما يستحضره من الأولياء كي يكشفوا كربته! وليس هذا حالة خاصة، بل إن من المشاهد اليوم أن كثيراً من الناس يستغيثون بالمشايخ والأنبياء والأئمة والشهداء.

فأمثال تلك المشاهدات المستقاة من الواقع الشركي للقبوريين دعت كثيراً من العلماء إلى التصريح بأن شرك الأولين من عباد الأصنام أخف وطأة من شرك القبوريين، وذلك من عدة وجوه بينوها في كتبهم.

ومن الدعاء أيضاً: الإستشفاء، ولعلنا نوضح هذا الجانب لاحقاً عند الحديث عن الآثار الاجتماعية للإعتقاد في القبور والأضرحة.

ولا شك أن هذا الإنحراف في الدعاء أثر من آثار الإلحاد في أسماء الله تعالى الحسنى، ومنها: السميع، المجيب، المعطي، الرزاق، القادر، النافع، الضار، النصير، العليم، الشافي.

*رابعاً) ذبحـوا ونـذروا لها:

وهذه أيضاً من الشعائر اللازمة للإعتقاد في القبور والأضرحة، فالرعاة في شرقي الأردن يطوفون بالأغنام حول مقام النبي يوشع عليه الصلاة والسلام في أزمان الأوبئة ويختارون خير النعاج، ويصعدونها إلى سطح المقام وينحرونها فيسيل دمها على عتبته، فغاية الزيارات لمقامات الأولياء هي تقديم الذبائح.

وكثيراً ما يقترن الذبح بالنذر، ولا شك أن الذبح والنذر سواء أكان ذبحاً، أو إهداء زيت، أو إعطاء نقود.. من العبادات التي لا تجوز إلا لله تعالى، لذلك يقول الإمام الصنعاني رحمه الله: والنذر بالمال على الميت ونحوه، والنحر على القبر، والتوسل به، وطلب الحاجات منه، هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية، وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثناً وصنماً، وفعله القبوريون لما يسمونه ولياً وقبراً ومشهداً.

والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية، فإن من شرب الخمر وسماها ماءً، ما شرب إلا خمراً، وكل ذلك لا يخص ضريحاً دون آخر، بل هو عام في جميع الأضرحة المقصودة بالتوجه والإعتقادات، فحيثما كان ضريح يعتقد فيه، كان الشرك بجميع صوره وأنواعه ودرجاته، فهذا قبر ابن عربي بدمشق، يحكي عبد الله بن محمد بن خميس مشاهداته عنده، فيقول: لقد ذهبت إلى قبر ابن عربي في دمشق فوجدت فئاماً من الناس يغدون إليه ويروحون.. وجدتهم يطوفون حوله، ويتوسلون به، ويعلنون دعاءهم له من دون الله.. وجدت المرأة تضع خدها على شباك الضريح وتمرغه وتنادي: أغثني يا محيي الدين.. وجدت الصبايا البريئات يجئن إليه، ويمددن أمامه الأكف، ويمسحن الوجوه، ويخشعن، ويتضرعن.

وفي الهند أصبح قبر الشيخ بهاء الدين زكريا الملتاني مرجع الخلائق في العصر الأخير، ويطوفون حوله، ويعملون ويصنعون على قبره جميع الأعمال اللائقة بالمعبود، كالسجود، والنذور، وما أشبه ذلك.

وضريح الشيخ علي الهجوري في لاهور في باكستان، وهو من القبور العظيمة، والناس يزورونه كل سنة، بل كل يوم، ويطوفون حوله، ويسجدون له، ويقدمون النذور، ويستغيثون به، ويطلبون العون والمدد.

وعند القبر المنسوب إلى هود في حضرموت يحدث من الشرك الأكبر ما يعجز القلم عن وصفه، شأنه في ذلك شأن كل الأضرحة في البلاد الأخرى، وقد بولغ في تقديس هذا الضريح، فتراهم يشدون الرحال لزيارته وعندهم شيء من بقايا الشعور الوثني الذي كان يشعر به العرب لللات والعزى، يستعينون به ويتوجهون إليه، ويولون وجوههم شطره لقضاء الحاجات، وإستنزال البركات، ودفع الكربات.

بل لقد إعترف أحد كبار منظِّري القبورية وهو الشيخ أحمد بن محمد ابن الصديق الغماري بوجود الشرك الأكبر والكفر الصراح في القبورية، فقال: إن كثيراً من العوام بالمغرب ينطقون بما هو كفر في حق الشيخ عبد القادر الجيلاني، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له، ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية، ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى، وإن عندنا بالمغرب من يقول في ابن مشيش: إنه الذي خلق الابن والدنيا، ومنهم من قال -والمطر نازل بشدة-: يا مولانا عبد السلام، الطف بعبادك! فهذا كفر.

وتعدى أمر التشريع عند القبوريين إلى التلاعب في بعض العبادات المفروضة، ويمثل الحج أبرز مثال لهذا التلاعب، الذي بدأ بسن آداب وطقوس معينة لزيارة تلك الأضرحة، فالزيارة ليست مجرد مرور عابر، ويجب أن تؤخذ بمعناها الدقيق، فعملية الإستقبال داخل الضريح هي لقاء بين الولي الداعي والزائر الضيف، لذلك لم يقتصر القبوريون على إقامة المباني والأضرحة عليها فحسب، بل صنعوا في آداب زيارتها وترتيبها المصنفات الطوال، منها: كتاب شمس الدين محمد بن الزيات المعروف الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة.

ومن آداب للزيارة إلى مناسك للحج، فقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجاً، ووضعوا له مناسك، حتى صنَّف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً وسماه: مناسك حج المشاهد، مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عُبَّاد الأصنام.

ولم يكتفوا بتصنيف الكتب في ذلك، بل أشاعوا ذلك التشريع في جمهورهم، فالدكتور عبد الكريم دهينة يذكر عن قريته التي بها أكثر من ثلاثين ضريحاً تقام لها موالد ونذور ونسك، أنه قد أفتى بعضُ الفسقة بأن الحج ينفع إليهم.

كما أن شطراً من العامة في صعيد مصر يرى أن الطواف سبع مرات بقبر الشيخ القناوي بقنا فيه غناء عن أداء الحج إلى بيت الله الحرام.

وعلى ذلك فليس بمستغرب أن يقول السخاوي: جاء الحُجاج هذه السنة لسيدي أحمد البدوي من الشام وحلب ومكة، أكثر من حجاج الحرمين!

فهذا باب من التشريع، وهو أثر من آثار الإلحاد في أسماء الله الحسنى: الحكيم، والحكم، والعليم، والعزيز، والملك، والعظيم.

وكل ذلك أدى إلى الإستهانة بأوامر الله عز وجل، وإستبدالها بتعظيم شعائر الأضرحة وأوامر سدنتها، وبذا كانت القبورية أحد الأسباب التي هيأت شعوب العالم الإسلامي لقبول العلمانية الوافدة وتشريع ما لم يأذن به الله.

الكاتب: عبد الباسط بن يوسف الغريب.

المصدر: موقع صيد الفوائد.